لماذا التعامل بازدواجية مع انقلابيي النيجر والغابون؟
باتت السياسة الغربية اليوم أكثر من واضحة تجاه إفريقيا والعالم النامي بشكل عام، إلا لِمن أبى أن يراها كذلك. لم تَعُد شعاراتُ الديمقراطية وحقوق الإنسان لِتُغالط أيّا كان بأن الغرب يريد حقا الديمقراطية وحقوق الإنسان للآخرين. لطالما تحدثنا عن ازدواجية المعايير لدى منظومة التفكير لديه، ولطالما قُلنا إنَّ الديمقراطية التي يريدونها لنا ليست أبدا الديمقراطية ذاتها القائمة لديهم، ولا حقوق الإنسان أيضا ولا حرية التعبير، إلى غير ذلك من مختلف الحريات..
الديمقراطية التي يريدونها لنا هي تلك التي توصِل للحكم ولو بطريقة صورية مَن يخدم مصالحهم، أو تمنع من الوصول مَن لا يقبلون بهيمنة الغرب على ثروات شعوبهم، أمَّا إذا كانت ستُحقّق غير ذلك، فينبغي معاداتُها والانقلاب عليها بمبرر أو آخر. والعكس تماما بالنسبة للاستبداد والدكتاتورية والانقلابات العسكرية، إن كانت الحكومات التي تنبثق عنها أو الجهة التي تقودها لا تعترض على استغلال الثروات ونقل الخيرات إلى البلد الأم وتحقيق مصالحها المختلفة، فهي مقبولة، بل ينبغي غضّ الطرف عن تجاوزاتها والتعامل معها بحجة احترام سيادة الشعوب في اختيار حُكَّامها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية… أما إذا كانت عكس ذلك، فستُوصَف بأقبح الصفات وسيتم تغييرُها إن آجلا أو عاجلا ولو بالقوة، إلا إذا صمدت وتمكّنت من البقاء…
وما مثال التعامل مع انقلابيي النيجر والغابون اليوم إلا دليلٌ حيّ على ذلك:
الأول، يوصف بأنه عمل قامت به طغمة عسكرية تسعى للانفراد بالحكم ينبغي محاربتها فرديا وجماعيا، والثاني يُعتَبر تصحيحا لمسار انتخابي ينبغي عدم التشديد عليه، بل والتعامل معه حتى تعود الأمور إلى نصابها وتتمكّن السفنُ المُحمَّلة بخيرات إفريقيا من الإبحار نحو أوروبا وأمريكا، والطائراتُ من الانطلاق نحو مطارات مختلف الدول الغربية المرحِّبة باستمرار كل صيد ثمين.
اعتمدت هذا الأسلوب في التعامل معنا الولاياتُ المتحدة الأمريكية في جميع القارات، وتبعتها أوروبا في ذلك وإلى اليوم.
لم يكن نظام “شان كاي تشيك” في الصين، ولا نظام الشاه “بهلوي” في إيران، ولا نظام “بينوشي” في الشيلي، ولا نظام “موبوتو” في الزائير، ولا نظام “سوموزا” في نيكارغوا ولا نظام “سينغ مان إي” في كوريا الجنوبية… لم تكن جميع هذه الأنظمة الاستبدادية لِتُقلق الولايات المتحدة الأمريكية، بل كانت ترعاها ضد محاولات تغيير وطنية من دون أدنى شعور بالذنب تجاه الشعوب المقهورة في بلدانها، ولا دعوة لتحريرها أو تمكينها من الديمقراطية.
والشيء ذاته كان بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية في إفريقيا وآسيا بالنسبة للقوى الاستعمارية التقليدية، مثل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وغيرها… كانت جميعًا صديقة لهذه الأنظمة وتعمل على رعايتها، وتحرص على ألا تثور الشعوب ضدها.
ولما استنفد هذا الأسلوبُ أغراضه في خدمة مصالح الغرب، بدأ التباكي على الديمقراطية الغائبة، وبدأ نقلها مُصَنَّعة في مخابره السياسية ومُعَلَّبة إلى شعوبنا بصيغة “موجة ربيع”، أو “موجة ثورات” لاستبدال أداة هيمنة صلبة بأخرى ليِّنة تحقق الأهداف ذاتها.. وهكذا هي فرنسا اليوم تعارض الانقلاب في النيجر وتفرض بقاءها بالقوة على شعبه، بزعم أن وجودها هناك كان بطلب من حاكم منتخَب ديمقراطيا، وتؤيد انقلاب الغابون وتراه مختلفا وتقول إنه يسعى لبناء الديمقراطية… وتتبعها أوروبا الاستعمارية الأخرى في الموقف ذاته، وتُبقي الولايات المتحدة نفسها بين البينين لعلها تكون البديل للجميع.
أيُّ سخريةٍ هذه بالشعوب الإفريقية والآسيوية وفي مختلف بقاع العالم؟ وأيُّ سذاجة عندنا لنبقى نعتقد أن المشكلة عندنا في المسمار الذي يَنخر جسدنا، والمطرقة التي هي باستمرار على رؤوسنا وليست في اليد التي تضرب والعقل الذي تُؤتمر به هذه اليد ويحدّد لها أماكن الضرب؟
لقد حان الأوان لكي نواجه مصدر الشر المُسلَّط على شعوبنا قبل أذنابه، وندرك الفرق الواضح بين دور المسمار ودور المطرقة ونتساءل: ما ذنب المسمار يا خشبة؟ لعلنا نعرف أين يكمن جوهر المشكلة.
باتت السياسة الغربية اليوم أكثر من واضحة تجاه إفريقيا والعالم النامي بشكل عام، إلا لِمن أبى أن يراها كذلك. لم تَعُد شعاراتُ الديمقراطية وحقوق الإنسان لِتُغالط أيّا كان بأن الغرب يريد حقا الديمقراطية وحقوق الإنسان للآخرين. لطالما تحدثنا عن ازدواجية المعايير لدى منظومة التفكير لديه، ولطالما قُلنا إنَّ الديمقراطية التي يريدونها لنا ليست أبدا الديمقراطية ذاتها القائمة لديهم، ولا حقوق الإنسان أيضا ولا حرية التعبير، إلى غير ذلك من مختلف الحريات..
الديمقراطية التي يريدونها لنا هي تلك التي توصِل للحكم ولو بطريقة صورية مَن يخدم مصالحهم، أو تمنع من الوصول مَن لا يقبلون بهيمنة الغرب على ثروات شعوبهم، أمَّا إذا كانت ستُحقّق غير ذلك، فينبغي معاداتُها والانقلاب عليها بمبرر أو آخر. والعكس تماما بالنسبة للاستبداد والدكتاتورية والانقلابات العسكرية، إن كانت الحكومات التي تنبثق عنها أو الجهة التي تقودها لا تعترض على استغلال الثروات ونقل الخيرات إلى البلد الأم وتحقيق مصالحها المختلفة، فهي مقبولة، بل ينبغي غضّ الطرف عن تجاوزاتها والتعامل معها بحجة احترام سيادة الشعوب في اختيار حُكَّامها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية… أما إذا كانت عكس ذلك، فستُوصَف بأقبح الصفات وسيتم تغييرُها إن آجلا أو عاجلا ولو بالقوة، إلا إذا صمدت وتمكّنت من البقاء…
وما مثال التعامل مع انقلابيي النيجر والغابون اليوم إلا دليلٌ حيّ على ذلك:
الأول، يوصف بأنه عمل قامت به طغمة عسكرية تسعى للانفراد بالحكم ينبغي محاربتها فرديا وجماعيا، والثاني يُعتَبر تصحيحا لمسار انتخابي ينبغي عدم التشديد عليه، بل والتعامل معه حتى تعود الأمور إلى نصابها وتتمكّن السفنُ المُحمَّلة بخيرات إفريقيا من الإبحار نحو أوروبا وأمريكا، والطائراتُ من الانطلاق نحو مطارات مختلف الدول الغربية المرحِّبة باستمرار كل صيد ثمين.
اعتمدت هذا الأسلوب في التعامل معنا الولاياتُ المتحدة الأمريكية في جميع القارات، وتبعتها أوروبا في ذلك وإلى اليوم.
لم يكن نظام “شان كاي تشيك” في الصين، ولا نظام الشاه “بهلوي” في إيران، ولا نظام “بينوشي” في الشيلي، ولا نظام “موبوتو” في الزائير، ولا نظام “سوموزا” في نيكارغوا ولا نظام “سينغ مان إي” في كوريا الجنوبية… لم تكن جميع هذه الأنظمة الاستبدادية لِتُقلق الولايات المتحدة الأمريكية، بل كانت ترعاها ضد محاولات تغيير وطنية من دون أدنى شعور بالذنب تجاه الشعوب المقهورة في بلدانها، ولا دعوة لتحريرها أو تمكينها من الديمقراطية.
والشيء ذاته كان بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية في إفريقيا وآسيا بالنسبة للقوى الاستعمارية التقليدية، مثل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وغيرها… كانت جميعًا صديقة لهذه الأنظمة وتعمل على رعايتها، وتحرص على ألا تثور الشعوب ضدها.
ولما استنفد هذا الأسلوبُ أغراضه في خدمة مصالح الغرب، بدأ التباكي على الديمقراطية الغائبة، وبدأ نقلها مُصَنَّعة في مخابره السياسية ومُعَلَّبة إلى شعوبنا بصيغة “موجة ربيع”، أو “موجة ثورات” لاستبدال أداة هيمنة صلبة بأخرى ليِّنة تحقق الأهداف ذاتها.. وهكذا هي فرنسا اليوم تعارض الانقلاب في النيجر وتفرض بقاءها بالقوة على شعبه، بزعم أن وجودها هناك كان بطلب من حاكم منتخَب ديمقراطيا، وتؤيد انقلاب الغابون وتراه مختلفا وتقول إنه يسعى لبناء الديمقراطية… وتتبعها أوروبا الاستعمارية الأخرى في الموقف ذاته، وتُبقي الولايات المتحدة نفسها بين البينين لعلها تكون البديل للجميع.
أيُّ سخريةٍ هذه بالشعوب الإفريقية والآسيوية وفي مختلف بقاع العالم؟ وأيُّ سذاجة عندنا لنبقى نعتقد أن المشكلة عندنا في المسمار الذي يَنخر جسدنا، والمطرقة التي هي باستمرار على رؤوسنا وليست في اليد التي تضرب والعقل الذي تُؤتمر به هذه اليد ويحدّد لها أماكن الضرب؟
لقد حان الأوان لكي نواجه مصدر الشر المُسلَّط على شعوبنا قبل أذنابه، وندرك الفرق الواضح بين دور المسمار ودور المطرقة ونتساءل: ما ذنب المسمار يا خشبة؟ لعلنا نعرف أين يكمن جوهر المشكلة.